الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

رحل تاركا إرثا فنيا لا يمحوه الزمن

العمدة «صلاح السعدنى» يتحدث عن نفسه

رغم غيابه لأكثر من 10 سنوات بسبب حالته الصحية، لكن العمدة «صلاح السعدنى» لم يغب أبدا عن ذاكرة الجمهور، ليس لأن مسلسلاته ودرره الفنية كانت تعاد باستمرار وفى مقدمتها «ليالى الحلمية» و«أرابيسك» ولكن لأن السعدنى انتمى لطراز نادر من الفنانين يمكن أن نطلق عليه «الفنان الملتزم» الذى يضع قضايا وطنه ومجتمعه فوق كل اعتبار، لهذا خلا مشواره الفنى الطويل من أى أعمال دون المستوى أو لنقل أعمال مصنوعة بلا هدف، فنال احترام الجمهور الذى ودعه بحرارة وبعيون باكية بعد إعلان خبر وفاته يوم الجمعة 19 أبريل 2024 عن عمر ناهز 81 عاما تاركا إرثا فنيا لا يمحوه الزمن.



 

 

 

 

كثيرون كتبوا عن أعماله وذكرياتهم معه، لكننا فى صباح الخير اخترنا أن نعود لأرشيفه الصحفى ونختار منه الكلمات التى عبر من خلالها عمدة الدراما المصرية عن أفكاره وثقافته العريضة وكيف يرى الناس والفن والحياة. 

فى حوار صحفى يعود تاريخه لعام 2001، يقول صلاح السعدنى: «الفن هو شاغلى الأول ولكن السياسة حرفتى وهوايتى، فأنا معجون فى «مية» السياسة، تخرجت من كلية مليئة بالسياسة، وكانت السياسة لعبة طلبتها والفن هواياتهم لذا فلقد ضمت هذه الكلية المعروفة باسم كلية الزراعة بجامعة القاهرة قائمة مكدسة من السياسيين اللامعين فى مقدمتهم الدكتور الجريدلى والمهندس سيد مرعى رئيس البرلمان المصرى الاسبق والدكتور الجنزورى رئيس الوزراء السابق والدكتور يوسف والى نائب رئيس الوزراء الحالى.

أما عن قائمة الفنانين يأتى فى مقدمتهم الفنان عادل إمام وسمير غانم وزوجته دلال عبدالعزيز والفنان المنتصر بالله فضلا عن بيئة أسرية، طعام إفطارها سياسة وهمومها سياسة. فشقيقى الأكبر هو الكاتب المشاكس محمود السعدنى».

يكمل العمدة: «فى طفولتى وحتى مرحلتى الجامعية كنت أحضر نفسى لكى أكون زعيم الأمة عندما كان يقال صلاح الدين الأيوبى كنت أعتقد أنهم يقولون صلاح الدين السعدنى وكنت أتخيل أننى سوف أصبح مثل جمال عبدالناصر لأن السياسة كما قلت كانت شاغلى الأول فى تلك المرحلة، بينما الفن كنت أمارسه منذ أن كنت فى الثانوية العامة. وعندما قابلت الفنان عادل إمام ووجدت بداخله هذا الحب الشديد للفن واشتركت معه فى فرقة التمثيل بكلية الزراعة اقنعنى أن الفن هو مستقبلى، وتصادف مع هذا طلب مسرح التليفزيون خريجى المعاهد والكليات لأتقدم بطلبى ونبدأ مرحلة جديدة وقطعنا أولى خطواتنا فى الفن على الرغم من إننا كنا مازلنا طلبة ندرس بكلية الزراعة فأصبح الفن كل حياتى ولكن فى الحقيقة التى لا يمكن أن أنكرها أنه لولا عادل إمام ربما كنت حاليا فى السجن أو زعيما سياسيا لا أعلم. ولكن الغالب أننى كنت فى السجن».

الفن برؤية سياسية 

يكمل السعدنى حديثه بحزن عاجلته الأيام والنجاحات: «لك أن تتخيل أنه فى بداية السبعينيات من القرن الماضى حدثت لى بعض الظروف السياسية لأن الرئيس أنور السادات رحمه الله فصلنى من هيئة المسرح مع توفيق الحكيم وأحمد بهاء الدين وكيانات أخرى كثيرة وشخصيات عامة لها وزنها مما أثر فى مسيرتى الفنية كثيرا وكاد يقضى على آمالى وطموحاتى لابتعاد معظم الفنانين عن التعامل معى من منطلق «الرئيس لا يحبه ابعدوا عنه». كما أن أخى الأكبر الكاتب الصحفى محمود السعدنى كان فى السجن وهاجر إلى الخارج فور الإفراج عنه بالرغم من أننى فى تلك الفترة لم يكن لى أى ممارسات سياسية لكن قضيتنا فى العالم الثالث أنه ما دام هناك غضب على شقيقى الأكبر فلا بد من أن ينالنى نفس العقاب والجزاء وإذا مارس أخى حقه فى الممارسة السياسية وأضير بسببها فلا بد الجزاء يعمم فكان أنهم فصلونى من الاتحاد الاشتراكى على الرغم من أننى لست عضوا فيه». 

ولكننى الآن أمارس السياسة الفنية وهى رؤى سياسية ووجه من أوجه السياسة المتعددة وأكثر أهمية لأنه إذا كانت السياسة بألف وجه فهناك الفن بمليون وجه ورسالته مؤثرة ومدوية فى جميع أنحاء العالم، فالسياسة قديما «كانت تصنع فى دهاليز القصور لكنها الآن فى كل شيء فى رغيف العيش وفى أزمة المواصلات وفى سرير المستشفى وفى السيولة النقدية وفى الأزمة الاقتصادية».

أعمال يعتز بها

عن العمل الذى يعتز به قال صلاح السعدنى: «جميع أعمالى الفنية اعتز بها بداية من أول عمل سينمائى وهو «شياطين الليل». وهناك «ليالى الحلمية» كمسلسل تليفزيونى وشحاتين ونبلاء الذى حصلت عنه على 11 جائزة «أما اللون الفنى الذى أفضله فأقول: لى أشياء كثيرة ممكن تصل إلى المتناقضات ولكنها الحقيقة فأنا أجد نفسى فى دور ابن البلد وأعشق كتابات الساخر أحمد رجب واقرأ لمحمود السعدنى وأنيس منصور ونجيب محفوظ وأخشى ركوب الطائرات والأتوبيس والسيارة والأماكن المرتفعة مثل الجبال والأبراج العالية، ومن عاداتى الاستلقاء على ظهرى أثناء القراءة فى أوقات فراغى لمعاناتى من آلام الغضروف وأحضرت كنبة خصيصا بمنزلى للاستلقاء عليها».

الزعيم تفوق على الريحانى

فى حوار آخر منشور عام 2010 يقول السعدنى ما يؤكد رضاءه عن مسيرته وانتصاره على مشاعر الغيرة والمنافسة خصوصا على مستوى السينما «عادل إمام هو الوحيد الذى لم تبتعد السينما عنه، فهو ممثل كل الأجيال، وهو فى رأيى من أهم ممثلى القرن العشرين، وتفوق على نجيب الريحانى ونجح أكثر منه. أما أنا فلست أحد نجوم السينما ولكننى من نجوم التمثيل فى كل الفنون والألوان وخصوصا التليفزيون الذى هو الأقرب إلى نفسى دائما، وأضف إلى ذلك أن السينما هى التى ابتعدت عن ممثلى جيلى وليس العكس»، وعن كيفية اختيار أدواره يقول «يهمنى أن يمس العمل المجتمع ومشكلاته وأن تكون شخصياته من صميم الحياة فلا يمكن أن أوافق على عمل يتحدث عن فكرة غير مطابقة للواقع ولا تلمس المواطن البسيط فأنا أحب أن أقدم كل شرائح المجتمع ولا أحب أن أكرر نفسى وعندما أقدم دور الشرير يجب أن أقدم دور الطيب».

هكذا فسر صلاح السعدنى كتالوج اختيار الأدوار وهو ما يتطابق مع كل أدواره بلا استثناء، ما يشير إلى فنان اتسق مع نفسه فاحترمه جمهوره، وفى رده على سؤال حول الوصول إلى هذه المرحلة من النضج الفنى يجيب «ببساطة شديدة هذا نتاج الاطلاع والقراءة الحرة فى جميع المجالات والرغبة فى الثقافة، ثم المعايشة الجيدة للواقع، وبعدها يأتى دور الفنان الذى يحاول التركيز فى أى عمل يقدمه وأن يعشق مهنته ويتفاعل مع مشاكل مجتمعه والتعبير عما فى داخل الناس.. وأعتقد أننى حاولت الوصول إلى مفردات هذه المعادلة الصعبة».

العلاقة مع المخرجين 

تحدث السعدنى كذا عن العلاقة مع المخرجين وعن شروطه للتعامل معهم سواء الجدد أو أصحاب الخبرة: «أنا بعيد تمامًا عن أى شروط لأننى من مدرسة تحترم المخرج، وأحيانا تكون لى وجهة نظر قبل التصوير أناقشها مع المخرج واحترم جميع المخرجين وخاصة الصغار أما الكبار فهم أصدقائى وليس عيبا أن يتدخل الفنان ما دامت لديه خبرة لكن يبقى المخرج هو القائد ويجب احترام توجيهاته».

وفى تلك الفترة قبل نحو 20 عاما، كانت هناك فكرة منتشرة بأن نجوم السينما عندما بدأوا العمل فى المسلسلات غيروا كثيرا فى المعادلة سلبيا، وكان للسعدنى كالعادة وجهة نظر «النجم ليس منتجا فنيا ولكنه مسئول فقط عن اختياراته فإذا اختار أعمالا رديئة يكون قد ساهم فى استغلال اسمه بشكل يسىء إليه لكن المشكلة فى غياب المنتج الفنى الذى يمتلك الوعى بهذه العملية الإبداعية ولو استعين فى عمل متوسط بنجم كبير فماذا سيفعل؟ فى رأيى إن تردى أى عمل فنى هو مسئولية مشتركة بين الجميع بداية من المنتج والمؤلف ونهاية بالمخرج والممثلين فأى طرف يقدم تنازلا فى العملية أو يتهاون يفسد العمل بالكامل ولا علاقة للأمر بأن النجم ممثل سينما أو مسرح». 

 

 

 

نوادر فنية

كالعادة عندما يطغى نجاح عمل معين يقارن الصحفيون دائما ما بعده ويضعون الفنان فى دائرة أنه لم يكرر ذات النجاح، كما حدث مع مسلسل «ليالى الحلمية» لكن لصلاح السعدنى رأى آخر فى هذا الصدد «أنا أعتبر الحلمية وأرابيسك وحلم الجنوبى والناس فى كفر عسكر نوادر فنية وأنا اسعدنى الحظ أن أكون عمدة الحلمية، كما إننى قدمت عملا فى بدايتى الفنية يكاد يكون له قيمة الحلمية، لكن فى وقت لم يكن فى مصر كلها أكثر من عشرة آلاف جهاز تلفزيون، والعالم العربى لم يكن فيه أكثر من 4 محطات تلفزيونية، كان ذلك فى نهاية الستينيات من خلال خماسية «الساقية» التى قدمناها فى ثلاثة اجزاء هى «الضحية- الرحيل- والنصيب» وجمعت وقتها كل نجوم مصر منذ أيام هذا المسلسل حتى جاءت الحلمية، وأنا أعتقد أن الفنان عليه انتقاء أدواره التى من الممكن أن تحمل عملا واحدا يشتهر به الفنان مثال على ذلك الفنان محمود المليجى فى فيلم «الأرض» فى عام 1968 وحتى رحيله فى عام 86 لم يقدم دورا مثل دور محمد أبو سويلم فى «الأرض» والناس لم تقل له أنت لم تقدم أدوارك التالية مثل محمد أبو سويلم، ولهذا يظل دورى فى «ليالى الحلمية» درة اعمالى التلفزيونية « ويكمل حديثه الصحفى قائلا «حتى الكاتب نفسه، فمثلا نجيب محفوظ الذى قدم الثلاثية والتى شاركت فى بطولتها، ليس مطالبا بأن يقدم ثلاثية أخرى وهذا لا يعيبه ولا يقلل من قيمته، وكل عمل له قيمته وظروفه ولا يمكن أن نقيس عملا على عمل آخر حتى لا نظلم الأعمال فهناك أعمال كثيرة وعلى مستوى جيد فى رصيدى مثل أرابيسك وحلم الجنوبى والناس فى كفر عسكر، أراها لا تقل بحال من الأحوال عن الحلمية، كما هناك أعمال أخرى فى رصيد الآخرين كانت جيدة وعظيمة مثل رأفت الهجان والنوة والراية البيضاء وضمير أبلة حكمت وبوابة الحلوانى والعائلة والليل وآخره كانت على مستوى جيد جدا».