الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

سياحة صحية.. و«استثمارات بالمليارات»

يعتبر التأمين الصحى الشامل الجديد، نواة ترتكز عليها صناعة السياحة الصحية فى مصر، وهو ما تقبل عليه الدولة حاليًا، بعد أن أعدت خطتها، وعزمت على اقتحام هذا المجال العالمى بمليارات الدولارات، خاصة أن مصر لديها الكثير من المقومات الطبيعية  البشرية، والموارد الخصبة، ما يجعلها صاحبة أقوى اقتصاد سياحى صحى فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والوطن العربى، بل وينقلها إلى مصاف الدول المتقدمة فى هذه الصناعة، وذلك فى كل أقاليمها شمالًا وجنوبًا، وشرقًا وغربًا، وعبر رمالها ذات الألوان المختلفة، ومياهها الكبريتية الموجودة فى أكثر من 1300 عين موزعة فى أقاليم مصر.



ويجد هذا الملف اهتمامًا رئاسيًا منذ سنوات، حيث عقدت النسخة الأولى من مؤتمر السياحة العلاجية فى مدينة السلام شرم الشيخ مارس 2019، ولكن حالت أزمة كورونا العالمية دون مواصلة هذا الملف، بعد أن اجتاحت العالم كله، وفرضت قيودًا على الحركة والسفر من دولة لأخرى.

ولكن الأن أصبحت البيئة مهيئة وبقوة لعرض هذا الملف على الساحة مرة أخرى، وخاصة بعد نجاح منظومة التأمين الصحى الشامل فى مرحلته الأولى، واقتراب المرحلة الثانية، والتى يقدم من خلالها خدمة صحية على أعلى مستوى عالمى، وبتقنيات حديثة وتكنولوجيا رقمية فائقة الدقة.

 

 

 

المدن الجديدة

ويأتى ذلك بعد التطوير والانتهاء من تدشين العمل فى عدد من المدن العالمية بمصر، ومنها العلمين الجديدة، وشرم الشيخ، والشروع فى مدينة رأس الحكمة، وعدد من المدن الأخرى، ومنها جرجوب وسيدى برانى والسلوم، بجانب استثمار رمال وشواطئ البحر الأحمر، والنهوض بكل مقومات السياحة الصحية من فنادق وقرى ومنشآت صحية وغيرها.

ويعتبر انعقاد النسخة الثانية من مؤتمر السياحة العلاجية، بعد تعديل اسمه إلى السياحة الصحية لتشمل الاستشفائية أيضًا، برعاية رئاسية، فى العاصمة الإدارية مارس الماضى بمثابة الانطلاق الفعلى لبدء العمل بهذا الملف المهم، والذى طال انتظاره، شاملة التوجيه الحاسم بتعاون كل الجهات المعنية، ومع المستثمرين والمجتمع المدنى والمنظمات، لإحداث طفرة كبرى فى هذا الملف خلال المدى الزمنى الذى وجهت به الرئاسة، وبما يضع مصر فى مكانها الريادى عالميًا، ويوظف قدراتها وإمكانياتها فى المكان الصحيح.

أكد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، على أن السياحة الصحية «العلاجية والاستشفائية»، مجال خصب لتدفق الاستثمار الأجنبى المباشر، باعتبارها واحدة من الأساسيات المهمة للبشرية، وإدراكا لأهميتها الحياتية والاقتصادية، شرعت مصر فى وضع رؤية تنموية متكاملة للعديد من مواقعها السياحية والساحلية الفريدة، لتحويل مصر إلى وجهة عالمية لهذا النوع من السياحة.

وأشار رئيس الوزراء، إلى أول منتجع للسياحة العلاجية فى مصر، والذى تم إطلاقه 2024 بالمنطقة الاستثمارية بالجيزة، على مساحة 40 فدانًا، باستثمارات تجاوزت 1.5 مليار جنيه، من المقرر أن يوفر خدمات الرعاية الصحية والضيافة فى مكان واحد.

مؤكدًا أن مقومات السياحة الصحية فى مصر، والنمو الكبير لهذا السوق، يحدث تطورات متلاحقة وابتكارات تكنولوجية، وتقنيات علاجية مستجدة، من شأنها الارتقاء بالخدمات التى يتلقاها مرضى قطاع الرعاية الصحية، مما يحفز عشرات الملايين للعبور من دولهم للحصول على تجربة علاجية أفضل. 

وقال مدبولى: إن هذا النمو فى الطلب على السياحة الصحية، نتيجة للتغيرات الديمجرافية الجوهرية التى يشهدها القرن الـ21، والمتمثلة فى شيخوخة السكان، أو ما يطلق عليها «الشيب العالمى» الناتجة عن زيادة نسبة السكان فى الفئة العمرية فوق 65 عامًا، مع تنامى فئة السكان فى الفئة العمرية فوق 65.

ولذلك تسعى الدولة إلى تنمية العديد من المدن الكبرى، لتكون مقاصد سياحية علاجية واستشفائية، مثل شرم الشيخ، والغردقة، وسفاجا، والقصير على ساحل البحر الأحمر، إلى جانب المدن الجديدة التى شرعت فى إنشائها على ساحل البحر المتوسط، وعلى رأسها العلمين، ورأس الحكمة، بالإضافة إلى المواقع العديدة داخل قلب مصر، لتقديم خدمات عالمية.

وأشار رئيس الوزراء إلى تمتع هذه الأماكن بمواقع استراتيجية، تؤهلها للسياحة العالمية، بما تذخر به من مقومات للجذب السياحى، كما يمكن أن تكون موطنًا للسكن بعد سنوات طويلة من العمل، والاستمتاع بنمط الحياة الذى يمزج بين الراحة والأصالة، وتتحول مصر إلى وجهة للسياحة العالمية بوجه عام والاستشفائية بوجه خاص.

 

 

 

التسويق للخدمات 

من جانبه قال الدكتور أحمد السبكى، رئيس هيئة الرعاية الصحية: إن مصر شهدت تطورًا كبيرًا فى مجال الرعاية الصحية خلال السنوات الأخيرة، مشيدًا بالدور الحيوى للقطاع الصحى الحكومى فى توفير بنية تحتية صحية متقدمة، ووضع سياسات ولوائح تحافظ على جودة الخدمات لضمان سلامة المرضى، إدراكًا لأهمية السياحة الصحية كقطاع استراتيجى يعزز نمو الاقتصاد المصرى، إلى جانب دعم ملف السياحة العلاجية، من خلال تقديم خدمات صحية وفقًا لمعايير الجودة العالمية، كما تسعى لتشجيع الاستثمارات الصحية فى شتى المجالات.

وأكد السبكى أيضًا على أن السياحة الصحية مشروع تكاملى بين هيئات ومؤسسات الدولة، وعدد من الوزارات، والقطاع الخاص، والمجتمع المدنى، وتعزيز التعاون العربى والإقليمى والدولى، والتبادل الثقافى، والخبرات والممارسات فى هذا المجال، وعقد الشراكات الاستراتيجية مع كبرى المنشآت الصحية، تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية، واستدامة التطور لتحسين النمو الاقتصادى.

أضاف رئيس هيئة الرعاية الصحية فى تصريحاته، لمجلة «صباح الخير»: «نسعى خلال العام الجارى إلى مضاعفة الدخل الأجنبى، من خلال تقديم خدمات الرعاية الطبية والعلاجية بمنظومة التأمين الشامل إلى 12 ألف سائح، مشيرًا إلى زيادة الإيرادات من الدخل الأجنبى خلال عام 2023 بنسبة 700 % مقارنة بعام 2022».

حيث تم استقبال أكثر من 6 آلاف مريض من 23 دولة «أجنبية وعربية وأفريقية»، لتلقى الرعاية الصحية والعلاج فى مستشفياتنا المعتمدة، من خلال برنامج «نرعاك فى مصر». 

وأشار إلى اعتماد مجلس إدارة هيئة الرعاية الصحية، لائحة تسعيرية بالدولار واليورو، لمحاسبة المرضى القادمين من الخارج، وهى تختلف عن التسعيرة المقدمة للمصريين، موضحًًا أن هناك بعض الخدمات الطبية تقدم للأجانب بمقابل مادى ينافس الأسعار العالمية.

وقال «السبكى»: يقدر حجم سوق السياحة العلاجية بأكثر من 15 مليار دولار سنويًا، ومتنامى بنسبة أكبر 12٫5 %، وسيصل إلى أكثر من 34٫6 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030، مؤكدًا على سعى الهيئة لتسويق خدماتها، ووضعها على خريطة السياحة الصحية، والمقصد الأول للسياحة العلاجية، فضلا عن الشراكة مع القطاع الخاص، والمؤسسات السياحية، ودورهم فى جذب الوفود الأجنبية.

وأضاف: إن هيئة الرعاية الصحية، تمتلك منشآت صحية معتمدة دوليًا، تؤهلها للتنافس فى هذا القطاع، لاحتوائها على بنية تحتية ومعلوماتية متطورة، ومجهزة بأحدث التقنيات، والكوادر المؤهلة، وأسعار تنافسية لتقديم أضخم برامج السياحة العلاجية، بمستوى عالمى للخدمة والرعاية الصحية، بالإضافة إلى تبادل الخبرات الدولية، وإنشاء مراكز إحالة للمرضى الأجانب فى عدد من الدول المستهدفة، وعيادات بالفنادق فى المحافظات السياحية  المصرية.

وقال السبكى: إنه من المقرر إنشاء أول مدينة طبية خضراء متكاملة للسياحة العلاجية بشرم الشيخ، وأول مركز لطب الأعماق داخل مستشفى دهب التخصصى الجديدة، وستضم المرحلة الثانية من التأمين الصحى الشامل مدينة رأس الحكمة بمحافظة مطروح، بعد تعزيز ريادة مصر فى الرعاية الصحية، والسياحة الصحية، والاستثمار. 

 

 

 

تعاون مصرى ليبى

أما الدكتور عثمان عبدالجليل، وزير الصحة الليبى فأوضح فى تصريحات خاصة لـ«صباح الخير»، تقديره الكامل لأهمية التعاون مع مصر ممثلة فى هيئتى الاعتماد والرقابة الصحية، والرعاية الصحية، لتطبيق تجربة منظومة التأمين الصحى الشامل فى ليبيا لإصلاح النظام الصحى بها.

وأشار الوزير الليبى، إلى معاناة المنظومة الصحية بشكل كبير فى ليبيا خلال الفترة الحالية، مشيدًا بنجاح منظومة التأمين الشامل المصرى، من خلال ما لمسه بجولته بمنشآت الرعاية الصحية، والخدمات الطبية التى تقدم بأعلى مستوى، متوقعًا إنجاز غير مسبوق بحلول عام 2030.

وأكد أيضًا وزير الصحة الليبى على استمرار تبادل الزيارات بين البلدين، حيث استقبلت «بنغازى» وفود مصرية من هيئة الرعاية الصحية، لتبادل الخبرات الطبية، وإجراء العمليات الجراحية فى ليبيا، وكان آخرها عمليات إصلاح اعوجاج العمود الفقرى، والقلب المفتوح، وزراعة النخاع، مما ساهم فى توطين آليات العلاج.

أما الدكتور أحمد طه، رئيس الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية، فتكلم عن صناعة السياحة العلاجية داخل مصر، وإمكانيات السوق المتاحة، وأهمية التعاون المشترك بين هيئات التأمين الصحى الشامل لتعزيز هذا القطاع.

وأكد رئيس هيئة الاعتماد، على أن محافظة أسوان مرشحة بقوة للمساهمة فى هذا الملف المهم، كونها أحد بوابات مصر الرئيسية لأفريقيا وللعالم فى مجالات السياحة الصحية.

وقال: إن اختيار أسوان كإحدى محافظات المرحلة الأولى للتأمين الصحى الشامل، حجز موقعها على خريطة السياحة العلاجية إقليميًا ودوليًا.

اقتصادية إيجابية

أشارت الدكتورة شيرين غالب، نقيب أطباء القاهرة، أستاذ الطب الشرعى والسموم الإكلينيكية بقصر العينى، إلى أن اهتمام النقابة بالسياحة العلاجية يأتى من منطلق رغبتنا فى تحسين أوضاع الأطباء، وزيادة الدخل القومى، حيث عقدنا مؤتمرًا كبيرًا للسياحة العلاجية 2022.

مؤكدة أن التطوير لا ينعكس على الأطباء فقط ولكن يشمل كل مقدمى الخدمات بالرعاية الصحية، وكذلك شركات الطيران والفنادق، والمرشدين السياحيين.

وأكدت الدكتورة غالب، فى تصريحات خاصة أن الطبيب المصرى لديه خبرة لا توازيها مثيلتها فى دول أوروبية، حيث يتعامل مع عدد من الحالات لا حصر لها، وهو ما يؤهله لاكتساب الخبرة بالممارسة والتدريب المستمر، ولذلك تعتبر السياحة العلاجية عامل جذب، وتحد من هجرة الأطباء المصريين للخارج، بعد مساهمتها فى رفع أجورهم.

وأشارت إلى أن تدشين منصة لتسهيل وسرعة استخراج فيزا السياحة الصحية، هى خطوة مهمة فى عمليات التسويق، حيث إن تحديد كل ما يحتاج إليه المريض عبرها لا يستغرق استخراجه وقتًا طويلًا، إضافة إلى استحداث مجلس أعلى يدير تلك المنظومة، على أن تمثل به النقابة لاختيار أمهر الأطباء، ووضع معايير خاصة لهم.

وقالت: إن صناعة السياحة الصحية تبدأ من تهيئة المناخ لاستقبال السائحين بما يتناسب واختلاف أعمارهم، واهتماماتهم، مؤكدة أن تنفيذ تلك المنظومة برعاية رئاسية، يعطى مصداقية ودقة وسرعة فى الآداء، مع وفرة الموارد الطبيعية وتنوعها فى مصر عامل مساعد فى تحقيق المنظومة.

كنوز طبيعية 

من جانبه أكد اللواء خالد فودة، محافظ جنوب سيناء أهمية هذا القطاع السياحى، نظرًا لتوافر مقومات السياحة العلاجية بها، وضرورة تكاتف جميع أجهزة الدولة لتحقيق هذا الملف الاستراتيجى، فى ظل وجود كنوز طبيعية وموارد هائلة، مواكبة التطور التكنولوجى لتحقيق  فى هذا المجال.

فيما قالت الدكتورة إليس يمين، الرئيس التنفيذى لاتحاد المستشفيات العربية: إن ما نشهده من تحولات سريعة فى العالم، ينعكس بشكل كبير على قطاع الرعاية الصحية، ولذلك نسعى لتحقيق رؤية مستقبلية لهذا القطاع فى العالم العربى، من خلال تعزيز التعاون والشراكات الاستراتيجية، وتبادل المعرفة والابتكار بين منشآت الرعاية الصحية فى المنطقة، قائلة: إن مصر منصة مثالية للسياحة العلاجية، وتدعم إنشاء هيئة وطنية للسياحة الصحية فى مصر، لتعزيز التنمية المستدامة فى المنطقة العربية.